عار يا جنوبيون، وعار العار..!

الحقيقة التي يعلمها الجميع هي أن النظام اليمني الذي قاده الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح "عفاش" لم يفعل خيراً في الجنوب وشعبه ومن يقول غير ذلك فإما كان جاهلًا حينها ولا يزال في جهله، أو أنه أعمى البصيرة والبصر ويغض الطرف لأجل مصلحة شخصية مع بقايا نظام العفشنة وأزلامه. من غباء عفاش الهالك أو ربما ذكائه أنه استأثر بمجموعة من الجنوبيين، فجمعهم حوله وأغدق عليهم بالعيش والمناصب والعطايا بما فاق حاجتهم، ثم استغلهم واستغل ضعف البعض منهم بين قوة الترهيب وزيادة الترغيب ليكونوا سنداً له في الجنوب ويحافظوا على سلطته العائلية وكيانه الاحتلالي واستمرارية حكمه القمعي، وليكونوا أيضا لسانه المسلط على إخوتهم الجنوبيين، وسيفه البتار الضارب في أعماق النسيج الاجتماعي الجنوبي حتى بعد هلاكه. الكل يعلم ــ وبشهادة الشماليين أنفسهم ــ كيف استباح عفاش أرض الجنوب واحتلها وقتل شبابها وأهان رجالها وطردهم من وظائفهم وقطع مصدر رزقهم وشتت شملهم وشردهم ما بين المنفى الاختياري أو القسري أو الهروب خوفاً من بطشه وجبروته. يكفي فقط أن تنظر إلى ملف المسرحين العسكريين والأمنيين والمدنيين ومئات الآلاف من المقصيين قسرا من وظائفهم وأعمالهم، ومئات المصانع والمؤسسات والمنشآت الجنوبية الحيوية والمنتجة التي دُمرت ومصير عمالها وكوادرها الذين سُرحوا وهم في أوج نشاطهم وعطائهم.. وهذا نموذج فقط لتعرف ما فعله الهالك عفاش بأبناء الجنوب. الحقيقة، ورغم مأساوية الأوضاع الاقتصادية والخدمية التي يعاني منها شعب الجنوب حاليا، إلا أن مقارنة ذلك سلباً بما كنا عليه إيجاباً خلال سنوات حكم عفاش البائد قبل هلاكه، تعتبر مقارنة غير صائبة ولا دقيقة، فكل ما يعانيه المواطن اليوم ــ شمالاً وجنوباً ــ من سوء الحال وضنك العيش، يدل دلالة قاطعة على عدم وجود دولة نظامية مؤسسية، ويؤكد أن كل ما كان خلال الـ 35 سنة الماضية مجرد شركة عفاشية عائلية خاصة تأسست على نظام تسلطي عائلي وحزبي فئوي ومناطقي هش وهين تحت مسمى الدولة، والتي ما إن سقط زعيمها وهلك حتى سقطت بكل أركانها ومقوماتها الرخوة، مخلفة وراءها أطلالاً من مسمى دولة سابقة ومؤسسات هيكلية فاشلة وعاجزة عن أداء مهامها والقيام بواجباتها تجاه المواطن ولو بالحد الأدنى..! نتذكر حين خُلع الرئيس المصري محمد حسني مبارك من منصبه، ثم جاء خلفه الرئيس الإخواني محمد مرسي وخُلع أيضاً، وكيف حافظت الدولة المصرية على كيانها ولم تسقط هيبتها ولا مؤسساتها ولا إرثها، وبقيت صامدة تمارس مهامها وواجباتها تجاه الشعب المصري، لماذا؟ لأنها دولة تأسست على نظام وقانون ومؤسسات فيها حق لكل الشعب المصري وليست شركة لمبارك وعائلته وعشيرته ولا لمرسي وجماعته الإخوانية رغم محاولته ذلك لكن الوقت لم يسعفه. كذلك الحال في بعض الدول العربية التي تأسست على النظام والقانون وملكية حقوق الشعب، كالجزائر وتونس، وكيف حافظ جيشها وشعبها الواعي على الدولة ومؤسساتها بعد سقوط حكامها. وعلى العكس من ذلك، سقطت ليبيا في أتون الفوضى بسقوط زعيمها الراحل معمر القذافي وجيشه العائلي ومؤسسات نظامه المناطقي والعشائري الهش، لذلك ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على هلاكه لا يزال الشعب الليبي يعاني تبعات هشاشة الدولة السابقة وما خلفه نظام الحكم العائلي للزعيم المهووس وحاشيته حتى اللحظة. الخلاصة، أن ما يعانيه شعب الجنوب اليوم ــ إذا ما استثنينا معاناة شعب الشمال بسبب سطوة الميليشيات الحوثية ــ هو امتداد لغياب الدولة القوية ونظامها المؤسسي الذي افتقدناه منذ سقوط بقايا الدولة الجنوبية صيف العام 1994م. لذلك نقولها وبملء الفم، والله عار أن نجد في صفوفنا ياجنوبيين اليوم من يدافع عن نظام الهالك عفاش العائلي وإنجازاته الكرتونية ويترحم على أيامه وأيام حكمه التسلطي القمعي، فمهما كانت المصلحة شخصية ومهما بلغت الظروف والمعاناة تأزما لا ينبغي أن نسمع هذا العار يا رجال الجنوب والله وعار العار على من يتغنى به ويردده..!

مقالات الكاتب